2020-03-18

الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السلبي على رواية التاريخ والأنساب العربية : ( حديث أربعة من العرب ، أي الأنبياء) مثالاً :

بسم الله الرحمن الرحيم

لم تقتصر الآثار السلبية للأحاديث الضعيفة والموضوعة على عقيدة المسلمين وعباداتهم بل وصل أثرها السلبي إلى أصغر ابواب العلوم والفنون شأنًا كرواية التاريخ القديم وكتابته ، ومن المؤسف أن هذه الأحاديث كانت تمثل المصدر الأول لكثير من الاخباريين الذين لا يميزون بين الحديث الصحيح والضعيف ، فأنتج تداخلها مع رواية التاريخ الحقيقي روايةً تاريخيةً كسيحة لا تستطيع مقاومة نظرة تدبريَّةٍ ناقدةٍ في كتاب واحد من كتب التاريخ والأنساب والأمثلة على ذلك كثيرة يراها كلُّ فَطِن ، ولا شك أن الأخذ بالحديث النبوي الشريف وجعله المصدر الأول لرواية التاريخ هو أمر محمود ولكن بشرط أن يكون المؤرخ على علم كافٍ بدرجة الحديث الذي يستشهد به ويجعله مصدرا لمعلومته بالرجوع إلى ما كتبه أهل الحديث عن سند ومتن الحديث ثم يضع ما وجده من كلامهم في الهامش لكي لا يلبِّس على القراء ، ولكن في الحقيقة أن بعض المؤرخين كان كحاطب ليل يجمع كل ما وقعت يده عليه دون علم بحقيقته ، فرأينا في كتب الأنساب والتاريخ أحداثا متضاربة ، وأسماء مبتكرة ،  ومشجرات أنسابٍ  وهمية طرأت على الأنساب العربية بعد صدر الإسلام ، ولم تكن موجودة قبله ، وكل هذا حدث بسبب الأخذ بأحاديث ضعيفة وموضوعة يسَّرت الطريق لأصحاب الأهواء والمتعصبين أن ينسجوا قصصًا من خيالاتهم تتكأ على تلك الأحاديث ، أو الاعتماد على الاسرائيليات والاستنتاجات المبنية على ما سبق .
وفي هذا الموضوع سنأخذ حديثا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ونرى مدى أثره على كتابة تاريخ وأنساب العرب :
حديث أبو ذر رضي الله عنه وهو حديث طويل عن عدد الأنبياء والرسل وبعض أوصافهم عليهم السلام .. وفي جزء من الحديث ورد : (( يا أبا ذر أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، وأخنوخ . وهو ادريس ، وهو أول من خط بالقلم ، ونوح . وأربعة من العرب "أي الأنبياء" : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك يا أبا ذر )) ، وهذا ⇩ جزء من حديث أبي ذر رضي الله عنه :

             


رواه ابن حبان 2 / 76 حديث رقم : 361 وقال  شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف جدا ، ابراهيم بن هشام بن يحيى الغساني الدمشقي ، قال أبو حاتم : كذاب ، كما في ( الجرح والتعديل ) 2 / 142 ، 143 ، وقال الذهبي : متروك ، وكذَّبه أبو زُرعة ، كما في ( ميزان الاعتدال ) 1 / 73 و 4 / 378 ، وأخرجه بطوله أبو نعيم في ( الحلية ) 1 / 166 ــ 168 وفي إسناده ابراهيم بن هشام ، بهذا الإسناد 
ــ وقال ابن كثير بعد أن أورد هذا الحديث في ( البداية والنهاية ) 2 / 545 دار المؤيد : أورد هذا الحديث أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات ، وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قلت : يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال ( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا ) ، وهذا أيضا من هذا الوجه ضعيف ، فيه ثلاثة من الضعفاء معان وشيخه وشيخ شيخه .
ـ وقد وردت أجزاء من الحديث بعدة أوجه وليس فيها "أربعة من العرب" وهذا الجزء في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز عن حديث أبي ذر وأبي أمامة رضي الله عنهما في ( مجموع الفتاوى ) 2 / 66 ⇩ : 


وقال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة ( 205 / 13 ) مكتبة المعارف تحقيق الحديث رقم : 6090 
رُوي في حديث أبي ذر الطويل : أن عدد الأنبياء مائة ألف وعشرون ألفا !
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " بطوله ( رقم 94 ) وفيه ابراهيم بن هشام الغساني وهو متروك ، متهم بالكذب ، وعزاه الحافظ (6/361) ل " صحيحه " وسكت !
ورُوي بإسنادٍ آخر ضعيف من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ : " وأربعة وعشرون ألفا ، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر ، جما غفيرا " أخرجه أحمد ( 5/265 ــ 266 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 7871/258/8 )وفيه علي بن يزيد الألهاني ، ضعيف ، انتهى .

ــ خلاصة حكم حديث أبي ذر رضي الله عنه : ضعيف جدا وقال ابن الجوزي موضوع

ــ ومن أراد الاطلاع على تخريج وتحقيق الحديث مطولا يجده في السلسلة الضعيفة 205/13 : 6090 ، وصحيح ابن حبان تحقيق شعيب الأرنؤوط جزء 2 صفحة 79 ــ 81 
وتحقيق بدر بن عبدالله البدر على كتاب الأربعين حديثا للآجري 195 ــ 201

ــ تأملات في متن الحديث الموضوع من الناحية التاريخية .

ــ قال تعالى ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ، وقال تعالى ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون ) ولكن الحديث الموضوع جعل النبي صل الله عليه وسلم يُعرِّف أحد الأنبياء باسمٍ من التوراة "العهد القديم" في قوله وأخنوخ ثم يبينه باسمه في القرآن الكريم كأسمٍ رديف بقوله وهو ادريس وأعادها مرة أخرى باسم أخنوخ بدون الاسم الوارد في القرآن الكريم ،
ــ المتمعن في هذا الجزء الموضوع من الحديث " أربعة من العرب " لا شك سيحتار ، فإن قصد أن العربية لسانا فلماذا لم يضع اسم اسماعيل عليه السلام وقد ثبت أنه تكلم العربية من طفولته ؟  وإن أراد أن العربية عرقا فلماذا يذكر محمدا صل الله عليه وسلم ويهمل اسماء أجداده اسماعيل وابراهيم عليهما السلام ثم يذهب إلى من هو أبعد منهما زمنيا " هود ، وصالح " عليهما السلام ؟!!!
وكذلك جاء في كتب الأنساب أن النبي شعيب عليه السلام من نسل ابراهيم عليه السلام فهل أُنزلت العربية على شعيب ؟ 
لا يوجد أي دليل على هذا القول .

*** ــ ((بعض الآثار السلبية التي خلَّفها هذا "الجزء الموضوع" من حديث أبي ذر رضي الله عنه على كتابة تاريخ العرب وأنسابهم))

1 ــ تم اختلاق مسمى "العرب" البائدة بناءا على هذا الحديث ، فهود وصالح عليهما السلام هما رسولا ربهما إلى قومهما عادٌ وثمود ، وبعد المعصية وتكذيب الرسل أهلك الله تلك الأمم وأبادها ، قال تعالى عن قوم عاد :
( فهل ترى لهم من باقية )
جاء في تفسير ابن كثير : ( أي : هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أنه ممن ينتسب إليهم ؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفا ) انتهى .. فهاتان الأمتان هما من الأمم البائدة وليس "العرب" البائدة إذ لا يوجد دليل على عربيتهم المزعومة ، ورغم ترديد هذا القول في كتب الأنساب والتاريخ العربي إلا أنه لا دليل عليه من "نص مقدس أو نقش على حجر" ، فهود عليه السلام على زعمهم فإنه في الطبقة "الرابعة إلى السادسة" من أحفاد سام بن نوح الذي انتشرت من ذريته ثلث البشرية حسب ما جاء في التوراة .

2 ــ جعل القحطانيون لهم جدًّا من الأنبياء بسبب المنافسة مع القبائل الاسماعيلية فاتخذوا هودا عليه السلام جدا لهم مقابل اسماعيل عليه السلام جدّ العرب الاسماعيليين إذ أن الحديث الموضوع مقرونًا بنصٍ توراتي قد جهَّز لهم جدًّا نبيًّا ، وأيضا هو أقدم من اسماعيل عليه السلام ، وفوق هذا كله كان جدهم عربي بينما اسماعيل لم يُذكر اسمه في الحديث فأصبح اسماعيل وذريته مستعربين ولكن تم استثناء الرسول محمدًا صلَّ الله عليه وسلم من هذا الوصف لوجود اسمه في الحديث .
وإذ لم يجدوا اسم هود عليه السلام في أسلاف يقطن "قحطان" ، قالوا ان عابر بن شالخ بن ارفخشذ والد يقطن هو هود عليه السلام !!! 
قال ابن الوزير المغربي 370 ــ 418 هــ في كتاب الايناس في علم الأنساب صفحة 276 : قال وهب بن منبه ⇩ :


هكذا جعلوا نصف العرب من ذرية النبي هود عليه السلام بدون دليل !! فقط لأنه نبيٌّ عربي بناءا على الحديث الموضوع ، وقال جواد علي في المفصل ( 313/1 ) معلقا على هذا الادعاء ⇩ :


وقال ابن حزم في كتاب الجمهرة الصفحة 9 : ينفي هذا الادعاء ⇩ :



ونفى أهل الكتاب من بني اسرائيل أي وجود لاسم هود وصالح عليهما السلام في التوراة كما نقل هذا القول جواد علي في المفصل (299/1) منقولا عن ابن جرير الطبري ⇩ :



فإذا علمنا أن اليهود ينكرون وجود اسم هود في التوراة فكيف جعلوا عابرا هو هود عليه السلام ؟
ــ في الحقيقة فإن جعل عابر هو هود عليه السلام ليس إلا محاولة لجعل والد يقطن "قحطان" نبياًّ ، والذي ألزمهم بعابر ليجعلوه هود النبي من بين الأسماء الواردة في التوراة هو مشابهة اسم ابنه يقطن "لقحطان" .

3 ــ من أجل الاستحواذ على اسم هود النبي "العربي" وجعله في رأس مشجرة الأنساب القحطانية استدل بعض الاخباريين بآثار وأخبار وقصائد منحولة على بعض الصحابة ، وبأحاديث ضعيفة وموضوعة  كما يلي :

أ ــ جاء في كتاب الاكليل للهمداني ج1 ص120   ⇩ :


نلاحظ أن الهمداني يستشهد على بقاء ذرية من آمنوا من قوم عاد وثمود بحديث رواه ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج1(47 ــ 52) والحديث موضوع ، في سنده خلف بن واصل وهو متهم بالوضع ، وأبو نعيم الخراساني وهو عمر بن صبح كذاب يضع الحديث .
قال ابن حجر في لسان الميزان 772/2 : خلف بن واصل عن ابي نعيم وهو عمر بن صبح بحديث جابلق ،وجابرس ، وعظمهما ، لعله هو وضعه .
وقال ابن حبان: يضع الحديث عن الثقات، لا يحلُّ كَتْبُ حديثه، إلا على وجه التعجب.
وقال الدارقطني : متروك.

ب ــ جاء في الاكليل للهمداني ج 1/123 ما يلي ⇩ :                                                                                               


كما نرى فإن الهمداني قد أورد قصيدة لا شك أنها منحولة على الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه جاء فيها ذكر بعض الأنبياء الذين وردت أسماؤهم في القرآن الكريم ثم ختم القصيدة بقوله : ( كلهم يمانون قد فازوا بطيب السرائر ) وهنا لم تقتصر دعوى اليمانية على ثلاثة من الأربعة بل ذهبت الدعوى إلى أبعد من ذلك فأُدخل فيها ادريس وذو القرنين ويونس وإلياس وذو الكفل إلى جانب الثلاثة هود وصالح وشعيب عليهم السلام جميعا في القحطانية !!.

وعلق جواد علي في كتاب المفصل ج1 على القصيدة المنسوبة إلى حسان بن ثابت وقال ⇩ : 




ج ــ ورد في كتاب التيجان المنسوب إلى وهب بن منبه 42 ــ 43 ⇩ : قصيدة بالفصحى ضمن الخرافات والأساطير التي امتلأ بها كتاب التيجان منسوبة إلى "يعرب" فيها أن النبي هود عليه السلام هو أبوهم :


وذكر وهب بن منبه كيف أُنزلت العربية على النبي هود عليه السلام فقال : ان الله أنزل على هود صحيفة وفيها ما بقي على أبيه "شالخ" من العربية وأنزل عليه ( أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ع غ ف ق س ش هـ و ل ي ) ...... الخ .
وهذا الادعاء لم يضع وهب بن منبه دليله عليه من القرآن أو السنة النبوية الشريفة !! أو من الكتب السابقة .. " هكذا "!! .

د ــ  جاء في كتاب التيجان المنسوب إلى وهب بن منبه قصة عن عابر ولم يذكر فيها اسم النبي هود عليه السلام على أن عابر هو هود وكأنها قد أصبحت من المسلمات ⇩ !!!


ونلاحظ ما تحتويه هذه الرواية من محاكاة تامة لما حدث للرسول محمد صل الله عليه وسلم من شقَّ الصدر ثم استخراج القلب وغسله وارجاعه ، ثم داخلته الوحشة والهيام فتوارى عن أهله ، ثم جاء الملك ثانية واخذ منه الصحيفة ثم قال الملك "اقرأ" يا عابر ، طبعًا هذه المحاكاة لا شك أنها بسبب المنافسة مع العدنانيين ، فكما أن لهم أنبياء فكذلك نحن لنا أنبياء وتَحْدُثُ لهم نفس الأحدَاث !! 

هـ ــ كما أن الهمداني في كتاب الاكليل ج127/1 ⇩ : ادعى على استحياء أنه لا يستبعد أن يقطن "قحطان" كان نبيًا !! ، والمؤسف هنا أن "القاضي" محمد الأكوع محقق الاكليل وقف صامتا أمام هذا الادعاء ولم يعلق عليه بكلمة واحدة ومرَّت عليه مرور الكرام !! واتوقع أن ما قصده الهمداني هو أن ابن النبي سيصبح نبيا كما سرت العادة في أنبياء بني اسرائيل وبهذا اصبح قحطان بن هود نبيا وخليفة لوالده النبي ، ولكن ادعاء النبوة لشخصٍ ما بدون دليل هو كذب على الله تعالى .. ⇩ هنا ادعاء الهمداني انه لا يستبعد ان قحطان كان نبياً ⇩


و ــ من كتاب (اليمن في تاريخ ابن خلدون ) للمؤلف محمد الفرح الصفحة 15 ⇩ :


 نلاحظ أن المؤلف محمد حسين الفرح في كتابه قد نقل من البداية والنهاية لابن كثير حديث أبي ذر رضي الله عنه مستشهدا به على عربية النبي هود عليه السلام وأنه كان يمنيا ، وقسَّم ابن كثير العرب إلى بائدة ، وعاربة ، ومستعربة ، وذكر بنو اسماعيل من المستعربة ، كما ورد في البداية والنهاية 86/1 وهذا دليل واضح على تأثير الحديث الموضوع على رواية وكتابة التاريخ والأنساب حتى وقتنا الحاضر ، ولكن الكاتب لم يتنبه إلى كلام ابن كثير في نفس الكتاب 271/2 ⇩ عن حديث أبي ذر رضي الله عنه فقد نقل ابن كثير تضعيف أهل الحديث لسند الحديث ونقل أيضا قول ابو الفرج بن الجوزي أن الحديث موضوع ⇩ :



ز ــ من كتاب منتخبات من تاريخ اليمن الصفحة 56 لنشوان الحميري :




نشوان الحميري يدَّعي بشكل صريح أن النبي شعيب عليه السلام من حمير ودليله وبرهانه على هذا الادعاء هو : أن في اليمن مسجدا اسمه مسجد شعيب في جبل حضور !! هل يقصد أن الذي بنى المسجد هو النبي شعيب ؟؟؟ 
وأيضا يوجد موضع قريب من صنعاء اسمه شعوب !!!
وأيضا حي من اليمن من حمير اسمه شعبان !!! عجيب !!! .
وقد سبقه الهمداني إلى هذا الادعاء في كتاب الاكليل ( 2/ 294 ــ 295 ) فذكر نسب النبي شعيب عليه السلام فقال : ابن مهدم بن ذي مقدم بن حضور بن عدي بن مالك .... ثم أخذ بيده حتى أوصله إلى ذي فائش ذو قينان بن إلى شرح بن يحضب ، ولم يدعه في منتصف الطريق كما فعل نشوان !!!
* لا شك أن هذا الادعاء لم يكن موجودا لو لم يرد اسم النبي شعيب عليه السلام ضمن الأنبياء الأربعة العرب في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، والحديث موضوع كما تبين سابقا .

في الحقيقة فإن التخبطات والأوهام والتخرصات كثيرة جدا في كتب التاريخ والأنساب وبالذات كتب بعض الاخباريين اليمنيين ، والكتب التي نُسِبَت إلى المتقدمين أمثال وهب بن منبه وعبيد بن شرية والأصمعي ودعبل وغيرهم ممن نُسِب اليهم كُتُباً أو دُسَّ في كُتبهم ما يدعِّم فكرة الأنساب اليمنية ، ومشجرتهم القحطانية المركبة عَمْدًا . 
فلو أخذنا على سبيل المثال : نسب النبي هود في تلك الكتب آنفة الذكر وغيرها ، فإننا نجد أكثرها تتأرجح في نسبه بين إرم بن سام وأرفخشذ بن سام كما قال جواد علي في المفصل ( 310/1 ) :



ورغم أنها مجرد أقوال لا تستند إلى دليل يثبت صحتها إلا ما كان في التوراة من عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وجعل عابر هو النبي هود ، فإن هذا الادعاء ليس إلا وهماً وتخرصاً محضاً ، فلو أخذنا به لوضعنا أنفسنا أمام عقبة كأداء إذ أن سام قد عاصر الطوفان مع والده نوح عليه السلام ، فمتى تكونت (عادُ إرم ذات العماد ) الذين منهم عابر الحفيد الثاني لسام ، "هود" كما يزعمون ؟؟؟ وهل جدُّ عابر "أرفخشذ بن سام" من قوم عاد ؟ وهل سام الجد الثاني لهود من عاد ؟؟؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات . مع العلم أن بعض كتب الأنساب أرجعت هود عليه السلام في عبدالله بن رباح بن الخلود إلى إرم بن سام ، وفي هذه الحالة فإن فكرة جعل النبي هود أبٌ ليقطن "قحطان" ساقطةٌ ، لأن إرم أخٌ لأرفخشذ وفي هذه الحالة فإن هود من سلالة إرم ، ويقطن من سلالة أرفخشذ ، ولا يلتقيان إلا في سام بن نوح .
وهنا ⇩ مشجرة من كتاب "قصص الأنبياء" لأبناء سام يتبين منها موقع الأنبياء هود وصالح وشعيب عليهم والسلام ، حسب ما ورد في التوراة وأقوال أكثر الاخباريين العرب  ⇩ :

هل كانت اللغة العربية تقفز من أمة إلى أخرى دون المرور بأسلافهم بناءا على الحديث الموضوع ؟!!!



الخلاصـــة

1 ــ حديث أبو ذر رضي الله عنه الذي فيه : ( اربعة من العرب : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك يا أبا ذر ) : حديث ضعيف جداً وقال ابو الفرج بن الجوزي موضوع ، فلا يصح الاستشهاد به .

2 ــ لا يوجد حديث صحيح فيما اعلم يثبت أن النبي هود عليه السلام وقومه عاد كانوا يتحدثون العربية .

3 ــ الادعاء أن للنبي هود عليه السلام وقومه عاد ذرية باقية حتى يومنا هذا لا يوجد عليه دليل بل هو من قبيل الرد على السؤال التعجيزي في القرآن الكريم في قوله تعالى ( فهل ترى لهم من باقية ) .

4 ــ أول من نطق بالعربية هو النبي اسماعيل عليه السلام عندما أمر الله تعالى رسوله ابراهيم عليه السلام أن يعزل ابنه اسماعيل وأمه هاجر في أرض مكة المكرمة ، ومن الحِكَمِ التي تُلمَحُ في هذا العزل ولله الحكمة البالغة ، أن في علم الله سبحانه وتعالى ما سيحدثه بنو اسرائيل من المكر والعصيان وقتل الأنبياء من بني جلدتهم ، ثم الاشراك بالله ، وعند هذا سيستبدلهم الله بقوم آخرين من ذرية ابراهيم ، قال تعالى ( وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) أي في ذرية ابراهيم عليه السلام ، وتبدأ النبوة في ذرية اسحاق عليه السلام حتى اذا وقع منهم العصيان والكفر استبدلهم الله بقوم من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ، ولو بقي اسماعيل مع أخيه اسحق فإن ذريتهما ستنشأ بنفس النشأة ويتطبع بنو اسماعيل بطباع ذرية اسحق من المكر والعصيان والشرك بالله إلا من آمن منهم ، وهنا لن تكون عملية الاستبدال مجدية ، فعَزَلَ الله ذريَّة اسماعيل ، ولن يكون العَزْلُ البدني كذلك مجديًا إن لم تكن لهم لغة مختلفةً عن لغة ذرية اسحق لأنهم سيلتقون بهم يوما ما قبل تكليف بني اسماعيل بالرسالة الخاتمة ، فإذا كانت اللغة واحدة وقرابة الدَّم معلومة للطرفين فلن يكون العَزْل ذا فائدة ، ولهذا فتق الله على لسان اسماعيل لغةً جديدةً لم تُنْطَق أو تُكْتَب من قبل ، وغير معلومة لذريةِ اسحاق ، ولقَّنها اسماعيل بَنِيه ، وكذلك فإن العزل كان في ارضٍ مُجْدِبَة لا زرع فيها وسيقام فيها بيت الله الحرام ، بعيدةً عن أيِّ حضارة لتبقى ذرية اسماعيل أمَّةً أميَّة ، جُلُّ اهتمامها في قِيَم الشهامة والفروسية والشعر ، وليس في تأليف الكتب كما اليونانية والعبرية وغيرها ، حتى جاء الإسلام فبدأ بكلمة اقرأ، {{ أما الحروف العربية فهي مشتقة من النبطية السريانية في فترة متأخرة / ب م ، والشبه بينهما كبير جدا وهناك بحوث قيمة عن هذا ولست بصددها هنا }} ، واعود إلى موضوعي فأقول : قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّا أمَّة أميَّة لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا ) فلا يستطيع بنو اسماعيل قراءة كتب بني اسحاق وغيرها إلا ما كان من النزر اليسير الذي لا يؤثر على الأمة ، وبهذا تتهيأ تلك الأمة للتكليف بالرسالة الخاتمة .. والله أعلم ، جاء في صحيح الجامع الصغير للألباني الصفحة 504 الحديث 2581 :



5 ــ الأحاديث الضعيفة والموضوعة كانت سببًا رئيسًا للخرافات والأساطير التي ملأت كتب التاريخ والأنساب العربية إلى جانب طموح بعض الاخباريين المنتسبين إلى "قحطان" لبناء مشجرة أنساب تضاهي مشجرة بني اسماعيل في عدة آبائهم ، ولذلك فإنهم قفزوا قفزات صاروخية حتى وصلوا إلى أحفاد سام بن نوح عليه السلام ، مستعينين بالضعيف والموضوع والاسرائيليات والاستنتاجات الغير موفقة ، قال جواد علي في المفصل ( 502/1 ) :





انتهى .. 




الكمال لله .. والله أعلم

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ،،
    ممكن التعليق ع اكثر من امر
    لكن لما رايتك اخذت بحديث - المختلف فيه- تحدث اسماعيل بالعربية - وهو عندي صحيح لكن ليس بفهمك التي تريد تمريره - و غض طرفك عن صحيح البخاري ( تعلم العربية منهم )علمت ان بندر لا يتكلم بعلم فاغلقت الصفحة الى غير رجعة.

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    انا اول مرة اقرا لأبي سعد هذا ولكن احسنت واصبت جزاك الله خيرا
    اما بالنسبة للمعلق الذي عرف نفسة بالنكرة فهو حقا مدلس ولا ادري اجهلا ام خباثة والله أعلم لان الحديث الأول الذي قال عنة هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    اما الثاني فهو من قول ابن عباس في صحيح البخاري وابن عباس يؤخذ من قوله ويرد عليه إذا لم يكن لديه دليل من كتاب او سنة!!! فما بالك اذا خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في نص صريح صحيح؟
    وهذه قصة ابن عباس التي قصها هوا وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وهي :
    ((((((3184 - وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال ابن عباس أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل............................................. [ثم قال ] وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته........................ الخ))))))) انتهى كلام ابن عباس
    وللمزيد من التوضيح حول النصوص من القصص   التي يرويها ابن عباس رضي الله عنه وخاصة عندما تخالف النص الواضح الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هوا موضوعنا فاليك اولا هذه المقالة اقراها بتدبر وتمعن
    https://vb.tafsir.net/tafsir6111/
    ورغم فضل ومكانة ابن عباس وعلمه رضي الله عنه الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب الشريعة وهو لاينطق عن الهوى بل هو وحي من الله،
    اما ابن عباس رضي الله عنه فيبقى تحت قوله صلى الله عليه وسلم : (إياكم وزلات العلماء فقال الصحابة  كيف نعرفها يارسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم : اذا قيل له من أين لك هذا؟)
    يعني ما دليلك من الكتاب او السنة على ماتقول؟
    وابن عباس من اعدل واوثق اهل الأرض ويكفيه ان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    او قال صلى الله عليه وسلم، وعندها يكون هذا الحق الذي لا شك فيه، اما ان قال هوا ولم يعارض شي من النصوص ولم يخالفه احد من علماء الصحابة فقولة حجة، اما ان خالف مثل موضوعنا هذا فهو مردود مثل قولة في زواج المتعة وقد طلبة عبدالله بن عمر للمباهلة عند الكعبة حتى لاينقل الحجاج ماقال في أطراف الأرض! فذهب ابن عباس مسرعا إلى أمهات المؤمنيين فسألهم عن زواج المتعة فاخبروه انه قد حرم فعاد إلى الحق وهو أولى به رضي الله عنه.
    اما وهب بن منبه ومروياته من الاسرائيليات ومافيها! فانضر في هذه المقالة بتمعن
    http://ibnamin.com/israelis.htm

    ردحذف

الإعلان بالنبأ في ضعف حديث أبناء سبأ

بِســمِ اللهِ الرَّحمَــن الرَّحِيــم بعد ظهور نتائج الحمض النووي ، نشأ صراع عربي كبير حول النتائج الجينية ، فظهرت على السطح ظاهرة...