2020-04-17

الإعلان بالنبأ في ضعف حديث أبناء سبأ

بِســمِ اللهِ الرَّحمَــن الرَّحِيــم



بعد ظهور نتائج الحمض النووي ، نشأ صراع عربي كبير حول النتائج الجينية ، فظهرت على السطح ظاهرة الاستدلال ببعض الأحاديث النبوية في الأنساب ، وهذا في حد ذاته شيء طيب ومقبول ومشروع . وكان من ضمن الأحاديث التي شاع الاستدلال بها (حديث أبناء سبأ العشرة) ، فأردتُ أن أسلط الضوء على هذا الحديث من الناحية الحديثية ، وأن أُبَيِّن ضعف إسناده ومتنه .

تنبيهات مهمة قبل الدخول في تفاصيل الدراسة الحديثية :

أولاً : إذا صح الحديث عن النبي ﷺ وجب الأخذ به في الشريعة أو الأنساب أو الطب ، وفي كل شيء ، فالكل وحي من عند الله ، ولا يجوز لمسلم أن يرد حديث رسول الله  ﷺ .

ثانياً : إن نصوص الشريعة لا تتعارض مع الحقائق العلمية والتاريخية، ومنها علم الأنساب ، والنص الصحيح لا يعارض العقل الصريح . ولكن حصول التعارض قد يكون لأمرٍ عارض قائم في أذهاننا ، ولو أعملنا النظر لوجدنا أن لا تعارض بين هذا وذاك ، ولو فُرِضَ أن حصل تعارض ما ، فإما أن يكون النص الشرعي غير صحيح ، أو أن المعلومة العلمية غير ثابتة .

ثالثاً : يجب التحري في معرفة صحة الحديث النبوي سنداً ومتناً ، والحديث الضعيف ليس بحجة لا في الأنساب ولا في غيرها ، فضلاً عن الضعيف جداً والموضوع . وكثير من الناس يغفل عن هذه الجزئية ، فيكون كحاطب ليل ، فيستدل بأحاديث لا زمام لها ولا خطام !.

رابعاً : لم ينل هذا الحديث حظه من الدراسة لا قديماً ولا حديثاً ، اللهم إلا شذرات هنا وهناك ، باعتبار أنه يتعلق بالأنساب ، وقد انصبت اهتمامات المحدثين العظماء - في الغالب - على العناية بالأحاديث التي ترتبط بالشريعة كأحاديث الأحكام والعقائد ونحوها .

نص الحديث :

عن فروة بن مسيك المرادي قال - في سياق قصة -: « ... فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا سَبَأٌ ، أَرْضٌ أَوْ امْرَأَةٌ ؟ قَالَ : لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ العَرَبِ ، فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ ، وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا : فَلَخْمٌ ، وَجُذَامُ ، وَغَسَّانُ ، وَعَامِلَةُ ، وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا : فَالأُزْدُ ، وَالأَشْعَرِيُّونَ ، وَحِمْيَرٌ ، وَمَذْحِجٌ ، وَأنْمَارٌ ، وَكِنْدَةُ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا أَنْمَارٌ ؟ قَالَ : الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ ، وَبَجِيلَةُ » .

الحكم على الحديث :

هذا الحديث ضعيف سنداً ومتناً ، وسينتظم كلامنا في هذين المسلكين :

 المسلك الأول : المسلك السندي :
وسنتناول ضعف الحديث من ناحية الإسناد من خلال ذِكْرِنا لطرقه المختلفة .

طُرُق الحديث :
هذا الحديث له عدة طرق عن فروة بن مسيك المرادي-رضي الله عنه -:

الطريق الأول : طريق أبي سبرة النخعي :
أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 34) ، (برقم : 3988) ، والترمذي في "سننه" (5/ 361) ، (برقم : 3222) ، وأحمد في "المسند" (39/527، 528) ، (برقم: 88) ، وفي "العلل ومعرفة الرجال - رواية ابنه عبد الله" (3/ 430) ، (برقم: 5830) و(رقم: 5831) ، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "مشيخته" (ص: 108) ، (برقم: 139) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/225، 226) ، (برقم: 713) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3/ 321) ، (برقم: 1699) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 324) ، (برقم: 836) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (8/ 454 ، 455) رقم (3379) ، وابن عبد البر في "الإنباه إلى قبائل الرواه" (ص: 101) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/260، 261) ، عن الحسن بن الحكم ، عن أبي سبرة النخعي ، عن فروة بن مسيك .

وهذا الإسناد ضعيف، فيه علتان :

● العلة الأولى : جهالة أبي سبرة عبد الله بن عابس النخعي :
 قال يحيى بن معين : (لا أعرفه)(1) .
وقال عنه ابن حجر : (مقبول)(2) ، يعني عند المتابعة ، وإلا فلين الحديث .

● العلة الثانية : ضعف أبي الحكم الحسن بن الحكم النخعي :
 قال ابن حبان : (يخطىء كثيراً ، ويهم شديداً ، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد)(3) .
 وأورده الذهبي في "ديوان الضعفاء"(4) .
 وقال عنه ابن حجر : (صدوق يخطىء)(5) .

الطريق الثاني: طريق البراء بن عبد الرحمن :
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 324) ، (برقم: 835) ، وفي مسند الشاميين (1/ 259) ، (برقم: 448) ، عن البراء بن عبد الرحمن ، عن فروة بن مسيك .
وهذا إسنادٌ ضعيف :
فيه : البراء بن عبد الرحمن ، وهو رجل مجهول الحال ، لم يذكره أحد من علماء الرجال بجرحٍ ولا تعديل .

الطريق الثالث : طريق يحيى بن هاني :
أخرجه أحمد  في "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (3/ 430) ، (برقم: 5829) ، والكلبي في "نسب معد واليمن الكبير" (1/ 132) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 323) ، (برقم: 834) ، وأبي نعيم في "معرفة الصحابة" (4/ 2287) ، (برقم: 5656) ، وفي "تاريخ أصبهان" (1/ 244) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/336، 337) ، وابن عبد البر في "القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم" (ص : 20) ، وفي "الإنباه إلى قبائل الرواه" (ص: 101، 102) ، عن أبي جناب الكلبي ، عن يحيى بن هاني .
وهذا الطريق فيه : يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي من أهل الكوفة .
 قال عنه يحيى بن معين : ( ليس بشيء)(6) .
 وقال ابن حبان : (كان ممن يدلس على الثقات ما سمع من الضعفاء ؛ فالتزق به المناكير التي يرويها عن المشاهير ، فوهاه يحيى بن سعيد القطان ، وحمل عليه أحمد بن حنبل حملاً شديداً)(7) .
 وقال الجورقاني : (متروك الحديث)(8) .

الطريق الرابع : طريق سعيد بن أبيض بن حَمَّال المأربي :
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3/ 322) ، (برقم: 1700) ، و(4/ 418) ، (برقم: 2469) ، والحاكم في "المستدرك" (2/ 460) ، (برقم: 3586) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 326) رقم (838) ، عن فرج بن سعيد ، عن عمه ثابت بن سعيد ، عن أبيه سعيد .

وهذا الإسناد ضعيف فيه علتان :

● العلة الأولى : جهالة ثابت بن سعيد بن أبيض بن حَمَّال المأربي .

● العلة الثانية : جهالة سعيد بن أبيض بن حَمَّال المأربي .
 قال الذهبي : (سعيد بن أبيض بن حمال: فيه جهالة)(9) .

 المسلك الثاني : المسلك المتني :

وهذا المسلك فيه وجهان :

 الوجه الأول : اضطراب المتن :
لقد اضطرب الرواة في متن هذا الحديث ، وهاك نقاط الاضطراب :

أولاً : أورد الحديث أبو داود في سننه ، ولم يذكر في روايته الأسماء العشرة .
فرواه عثمان بن أبي شيبة ، وهارون بن عبد الله ، عن الحسن بن الحكم النخعي ، عن أبي سبرة النخعي ، عن فروة بن مسيك بدون ذكر الأسماء !.

  ثانياً : جاء في رواية الترمذي المذكورة أعلاه : (لخم) ، وورد في بعض الروايات في طريق أبي سبرة النخعي : (عَك)(10) !.

  ثالثاً : جاء في طريق البراء بن عبد الرحمن (قضاعة) بدل (غسان) !!(11) .

 الوجه الثاني : نكارة المتن :
وتتضح نكارة المتن من خلال النقاط التالية :

أولاً : الحديث جعل أبناء سبأ عشرة :
والمعروف في كتب الأنساب أن (سبأ) له ابنان هما (حِمْيَر) ، و(كهلان) .
ومن هنا حاول بعض العلماء أن يجدوا حلاً لهذه المعضلة :
  قال ابن كثير: (ومعنى قوله  ﷺ : «وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ العَرَبِ» : أي كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن ، لا أنهم وُلِدُوا من صلبه ، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة ، والأقل والأكثر ، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب)(12) .
ولكن ظاهر الحديث صريح أنه ولد عشرة أبناء ، فالأصل أنهم من صلبه ، ولا يوجد صارف لهذا الأصل .

ثانياً :  جعل (حِمْيَر) أخاً للتسعة أبناء المذكورين :
و(حِمْيَر) أمة كبيرة من قحطان ، وهي بكل روايات الأنساب القديمة ليس أخاً لهؤلاء القوم . فكيف يستقيم أن يكون حِمْيَر أخاً لهؤلاء  ؟! .

  ثالثاً : الحديث لم يذكر اسم (كهلان) البتة في الأسماء :
طالما أن الحديث ذكر (حِمْيَر) فإن المتبادر إلى الذهن أن يذكر (كهلان) باعتباره أخاً لحمير حسب مشجرات الأنساب القديمة الواردة في كتب التاريخ ، ولكن نتفاجأ أن الحديث ذكر حمير ، وذكر إخوانه قبائل منتسبة لكهلان ، ولم يتعرض لكهلان البتة ! .

❍  رابعاً : لم يذكر الحديث (همدان) مع أنها من سبأ :
لم يذكر الحديث همدان مع أنها من قبائل سبأ الكبيرة والمعروفة ، ولم يتطرق الحديث لفروعها من حاشد وبكيل .

شواهد الحديث :

للحديث عدة شواهد :

 الشاهد الأول : حديث ابن عباس :

عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، قال : «إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ أَرْضٌ؟ فَقَالَ : هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ سِتَّةً مِنْ وَلَدِهِ بِالْيَمَنِ وَأَرْبَعَةٌ بِالشَّامِ ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ فَمَذْحِجٌ ، وَكِنْدَةُ ، وَالْأَزْدُ ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ ، وَأنْمَارُ ، وَحِمْيَرُ خَيْرٌ كُلُّهَا ، وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ فَلَخْمٌ ، وَجُذَامُ ، وَعَامِلَةُ ، وَغَسَّانُ» .
أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 75) رقم (2898) ، وفي "فضائل الصحابة" (2/ 865) رقم (1616) ، والحاكم في "المستدرك" (2/ 459) رقم (3585) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (8/453، 454) رقم (3378) ، وابن وهب في "الجامع" (ص: 57) رقم (21) ، وابن عبد البر في "القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم" (ص: 20) ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن علقمة (أو عبد الرحمن) بن وعلة ، عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما .

وهذا الحديث ضعيف ، فيه علتان :

  العلة الأولى : الحديث مداره على عبد الله بن لهيعة ، وهو ضعيف الحديث :
  قال ابن عدي : (وهذا لا أعلمه يرويه غير ابن لهيعة بهذا الإسناد)(13) .
وابن لهيعة هو : عبد الله بن لهيعة بن عقبة أبو عبد الرحمن الحضرمي . وهو رجل ضعيف الحديث ، كانت له كتب فاحترقت ؛ فحدث من حفظه فخلط ، فأصبح سيئ الحفظ .
وفي هذا الرجل كلام كثير حول توثيقه وتضعيفه ، وكثير من العلماء لم يفصلوا في حاله ، بل ردوا حديثه مطلقاً .
 قيل لعبد الرحمن بن مهدي : نحمل عن ابن لهيعة ؟ قال : (لا ، لا تحمل عنه قليلاً ولا كثيراً)(14) .
 وقال يحيى بن معين : (ابن لهيعة ليس بشيء ؛ تغير ، أو لم يتغير)(15) .
 وقال أبو زرعة وأبو حاتم : (أما ابن لهيعة فأمره مضطرب ، يُكْتَب حديثه على الاعتبار)(16) .

العلة الثانية : أن الإسناد فيه اختلاف واضطراب :

فقد اختلف في إسناد هذا الحديث على ثلاثة وجوه :

 - عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن علقمة بن وعلة السبئي ، عن ابن عباس ، عن النبي ﷺ .
وعلقمة هذا مجهول .

➋ - عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن عبد الرحمن بن وعلة السبئي ، عن ابن عباس ، عن النبي ﷺ .

➌ - عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن علقة بن وعلة السبئي عن النبي  ﷺ(17) .
وهذا فيه جهالة علقمة والإرسال.
فأنت تجد هذا الاضطراب الواضح في إسناد هذا الحديث ، وهذا كله يوضح لك ضعف الحديث .

 الشاهد الثاني : حديث يزيد بن حصين بن نمير :

عن يزيد بن حصين بن نمير أن رجلاً قال : يا رسول الله ، فذكر الحديث بنحوه .
أخرجه ابن شَبَّة في "تاريخ المدينة" (2/ 551) ، وابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (2/ 748) رقم (3165) ، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 245) ، (برقم: 639) ، وأبي نعيم في "معرفة الصحابة" (5/ 2797) رقم (6633) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (65/ 155) ، وابن عبد البر في "القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم" (ص: 20) ، من طريق موسى بن علي بن رباح اللخمي ، عن أبيه ، عن يزيد بن حصين بن نمير .

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ ، مليء بالعلل :

● العلة الأولى : الصواب في رواية حصين بن نمير أنها مرسلة .
جاء في رواية ابن أبي خيثمة عن يزيد بن حصين بن نمير ، عن تميم ، وفي رواية ابن عبد البر قال : (عن تميم الداري) ، والصواب رواية الإرسال .
 قال ابن عدي -عن يزيد بن حصين بن نمير : (لا أعرف له من المسند شيئاً)(18) .

● العلة الثانية : تميم لا يصح حديثه :
 قال أبو نعيم : (تميم غير منسوب ، روى عنه يزيد بن حصين في قصة سبأ ، وقيل إنه تميم الداري ، ولا يصح حديثه)(19) .

● العلة الثالثة : حصين بن نمير ضعيف :
 قال يحيى بن معين : (حصين بن نمير: ليس بشيء)(20) .

● العلة الرابعة : يزيد بن حصين بن نمير مجهول لا يعرف .
 قال ابن عدي : (يزيد بن حصين أيضاً ليس بمعروف)(21) .

✿  شبهات والجواب عنها :

الشبهة الأولى: القول بتصحيح الحديث بمجموع الطرق والشواهد :

قال بعضهم : صحيح إن هذه طرق الحديث كلها ضعيفة ، ولكنها تتقوى ببعضها ، ومعلوم في علم الحديث : أن الحديث يتقوى بمجموع الطرق والشواهد ، فإذا ضُمَّت هذه الطرق إلى بعضها ، وأضيف إليها شاهد حديث ابن عباس ازدادت قوة إلى قوة .
الجواب أن نقول : القاعدة الحديثية في حد ذاتها صحيحة ، ونحن نقول بها ، ولكن هذا في حالة سلامة المتن من النكارة والغرابة ، وأما مع وجود نكارة المتن ؛ فلا يمكن أن يُصَحَّح أو يُحَسَّن الحديث بمجموع الطرق ؛ لأنه في هذه الحالة لا تفيد كثرة الطرق شيئاً ، بل ستذهب أدراج الرياح !.

الشبهة الثانية : تصحيح عدد من العلماء للحديث :

قال بعضهم : هذا الحديث صححه وحسنه عدد من علماء الحديث ، وهاك أقوالهم :
 قال الترمذي عن حديث فروة : (هذا حديثٌ حسنٌ غريب) .
 وقال الحاكم عن حديث ابن عباس : (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وشاهده حديث فروة بن مسيك المرادي) ، وأقره الذهبي .
 وقال ابن كثير : (وهذا إسناد حسن)(22) .
 وقال أحمد شاكر عن حديث ابن عباس : (إسناده صحيح)(23) .
 وقال الألباني : (حسن صحيح) .

والجواب على ذلك يكون من وجوه :

● الوجه الأول : أن العلماء الذين صَحَّحُوا الحديث أو حَسَّنُوه قَوَّوْهُ بمجموع الطرق والشواهد ، ولم يصححوه أو يحسنوه لذاته ، إذ أن طرقه كلها ضعيفة ، لا يثبت منها طريق واحد من ضعفٍ . والتحسين بمجموع الطرق أقل درجات القوة في الحديث ، وهي مسألة تتجاذبها الأقوال ، ولا تسلم من طعن أو اعتراض في كثير من الأحيان ، لأنها كما ذكرنا مبنية على انجبار الطرق وتقويتها بعضها ببعض .

● الوجه الثاني : أن هؤلاء العلماء الذين حسنوا الحديث إعمالاً لقاعدة تحسين الحديث بمجموع الطرق والشواهد ، لم يتنبهوا لنكارة المتن ، ولم يتفطنوا للإشكالات الواردة فيه ، ولو تنبهوا لذلك لما حَسَّنُوه ، ولذلك حينما فطن الإمام ابن العربي المالكي لعلل المتن حكم بضعفه سنداً ومتناً .

● الوجه الثالث : أن الحجة ليست في كثرة المصححين للحديث ، وإنما في الأدلة العلمية الحديثية التي يستند عليها الحاكمون على الحديث ، والتي توجب صحته أو حسنه أو ضعفه .

● الوجه الرابع : نتكلم عن كل حكم بمفرده :
 إن قول الترمذي : (حسن غريب) ؛ هي درجة أقل من قوله : (حديث حسن) ؛ ففي قوله هذا إشارة إلى غرابة متن الحديث وإسناده ، وإن تبنى تحسينه بمجموع طرقه !.
 وأما الحاكم : فمعروف بتساهله في التصحيح في ”المستدرك“ ، والذهبي وقعت له أوهام كثيرة في ”تلخيصه على المستدرك“ نبه عليها العلماء من بعده .
 وبالنسبة للقاضي أحمد شاكر : فإنه يصحح أحاديث ابن لهيعة مطلقاً من غير تفصيل ، وهذا من تساهله الذي تكلم عنه العلماء كثيراً أمثال المحدث الألباني والحويني وغيرهما .
 وأما الألباني : فقد بنى حكمه على قاعدة التقوية بالطرق والشواهد ، وقد بَيَّنَّا أن الحديث لا يمكن تصحيحه بالطرق والشواهد لوجود النكارة المتنية !.

 الوجه الخامس : أن عدداً من الحفاظ والمحدثين ضعفوا الحديث :
هذا الحديث ضَعَّفَهُ جماعة من علماء الحديث وأساطين الجرح والتعديل ، وهم من هم في العلم والتحقيق ، فإن لم يكونوا أعلم ممن صححوه فليسوا بأقل منهم. فإذا احتج المخالفون بكلام العلماء الذين صححوا الحديث ، فنحن نحتج بكلام العلماء الذين ضعفوه. وعليه فلا يكون كلام المخالفين حجة دون قولنا .
وهؤلاء هم العلماء الذين ضعفوا الحديث :

أولاً : الإمام ابن حبَّان ( ت : 354هـ ) :
حيث ذكر راوي الحديث ( يحيى بن أبي حية ، أبو جناب، الكلبي ) في "كتاب المجروحين" فضَعَّفَهُ ، وأورد له هذا الحديث كمثال على رواياته الضعيفة(24) .

ثانياً : المحدث ابن القيسراني ( ت : 507هـ ) :
فقد أورد الحديث طرف حديث أبناء سبأ في "تذكرة الحفاظ" ، وقال : (رواه يحيى بن أبي حية ، عن يحيى ، عن هانئ ، عن فروة بن مسيك .
قال: ويحيى هذا ليس بشيء في الحديث)(25) .

ثالثاً : القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي (ت: 543هـ) :
فقد حكم بضعف الحديث سنداً ومتناً، فقال: (فيه اختلاف عظيم ، لم يتحصل سنداً ؛ لعدم الثقة برواية ، ولا تحصل متناً)(26) .

رابعاً : الحافظ نور الدين الهيثمي (ت: 807هـ) .
فقد ضَعَّف حديث ابن عباس بقوله : (رواه أحمد والطبراني ، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف ، وبقية رجالهما ثقات (27) .
وضَعَّف كذلك رواية يزيد بن حصين السلمي بقوله : (رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني علي بن الحسن بن صالح الصائغ ، ولم أعرفه)(28) .

خامساً : المحدث أبو العباس البوصيري (ت: 840هـ) :
حيث تناول حديث ابن عباس وأسانيده، وقال فيه : (ومدار هذه الأسانيد على عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف)(29) .

 الخلاصة : 


أن (حديث أبناء سبأ العشرة) ضعيف سنداً ومتناً ، وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في الأنساب ، ولا في نتائج الحمض النووي الحديثة .
 وختاماً أقول : هذا ما عندي حول الحكم على حديث أبناء سبأ ، اجتهدتُ فيه قدر الطاقة ؛ فإن أصبت فمن الله تعالى ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان ، وأرحب بالتعليق والتعقيب العلمي ، وصدري مفتوح للحوار والنقاش في هذا الموضوع بشرط أن يكون الناقد يتكلم بعلم ومعرفة ، لا بجهل وتقليد .
 وقد كنت متردداً بين التطويل والتقصير في الدراسة ، وما زلت أتأرجح بينهما؛ فالمهتمون بالدراسات الحديثية يحبون الإسهاب في ذلك ، وغيرهم من المهتمين بالتاريخ والأنساب يحبون الاقتضاب ؛ لأن غايتهم الخلاصة فقط ؛ فحاولت أن أتوسط في ذلك ، فلا أطيل ولا أقصر ؛ فإن وجد بعض القراء في كلامي طولاً فليعذرني ، وإن وجد البعض الآخر قصراً فليعذرني هو الآخر .
 وأنبه إلى أنني لم أتوسع كثيراً في ذكر الأقوال عن الرواة جرحاً وتعديلاً ، وذكرت ما يهم في الحكم عليهم ، فعلتُ ذلك خشية الإطالة والإملال ؛ خصوصاً لغير الباحثين في العلوم الشرعية .
 كما أني استبعدت إدخال نتائج الحمض النووي في الحكم المتني على الحديث ؛ لأني ، وإن كنت على يقين مما أراه في النتائج الجينية ؛ فإن هذا العلم ما زال حديثاً وفي مهده ونتائجه متجددة، وكذلك لا أريد أن يقال : حكم على حديث رسول الله ﷺ بنتائج الحمض النووي !.


هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.


الهوامش :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
(1) رواه ابن أبي حاتم في ”الجرح والتعديل“ (9/ 384)، وانظر: “تهذيب الكمال“ (33/ 340).
(2) ”تقريب التهذيب“ (ص: 643).
(3) ”المجروحين“ (1/ 233).
(4) ”ديوان الضعفاء“ (ص: 79).
(5) ”تقريب التهذيب“ (ص: 160).
(6) ”المجروحين“ (3/ 111).
(7) ”المجروحين“ (3/ 111).
(8) ”الأباطيل والمناكير“ (1/ 524).
(9) ”ميزان الاعتدال“ (2/ 126).
(10) هذه رواية أحمد في ”المسند“ (39/ 528) رقم (87).
(11) هذه رواية الطبراني في ”مسند الشاميين“ (1/ 259) رقم (448).
(12) ”تفسير ابن كثير“ (6/ 447).
(13) ”الكامل في ضعفاء الرجال“ (5/ 251).
(14) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 146).
(15) "من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال" (ص: 108).
(16) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 147).
(17) ”المعجم الكبير“ للطبراني (12/ 240) رقم (12992).
(18) "الكامل في ضعفاء الرجال" (9/ 170).
(19) "معرفة الصحابة" (1/ 458).
(20) "تاريخ ابن معين - رواية الدوري" (4/ 57).
(21) "الكامل في ضعفاء الرجال" (9/ 170).
(22) ”تفسير ابن كثير“ (6/ 445).
(23) ”مسند أحمد“ بتحقيق أحمد شاكر (3/ 278).
(24) المجروحين (3/111، 112)
(25) تذكرة الحفاظ (ص: 66).
(26) عارضة الأحوذي (12/ 101).
(27) مجمع الزوائد (7/ 94).
(28) مجمع الزوائد (7/ 94).
(29) إتحاف الخيرة المهرة (1/ 262).



انتهى ..


أبو سهل طَـه الطَّيب الزَّيَّـاتي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الإعلان بالنبأ في ضعف حديث أبناء سبأ

بِســمِ اللهِ الرَّحمَــن الرَّحِيــم بعد ظهور نتائج الحمض النووي ، نشأ صراع عربي كبير حول النتائج الجينية ، فظهرت على السطح ظاهرة...