2020-04-17

الإعلان بالنبأ في ضعف حديث أبناء سبأ

بِســمِ اللهِ الرَّحمَــن الرَّحِيــم



بعد ظهور نتائج الحمض النووي ، نشأ صراع عربي كبير حول النتائج الجينية ، فظهرت على السطح ظاهرة الاستدلال ببعض الأحاديث النبوية في الأنساب ، وهذا في حد ذاته شيء طيب ومقبول ومشروع . وكان من ضمن الأحاديث التي شاع الاستدلال بها (حديث أبناء سبأ العشرة) ، فأردتُ أن أسلط الضوء على هذا الحديث من الناحية الحديثية ، وأن أُبَيِّن ضعف إسناده ومتنه .

تنبيهات مهمة قبل الدخول في تفاصيل الدراسة الحديثية :

أولاً : إذا صح الحديث عن النبي ﷺ وجب الأخذ به في الشريعة أو الأنساب أو الطب ، وفي كل شيء ، فالكل وحي من عند الله ، ولا يجوز لمسلم أن يرد حديث رسول الله  ﷺ .

ثانياً : إن نصوص الشريعة لا تتعارض مع الحقائق العلمية والتاريخية، ومنها علم الأنساب ، والنص الصحيح لا يعارض العقل الصريح . ولكن حصول التعارض قد يكون لأمرٍ عارض قائم في أذهاننا ، ولو أعملنا النظر لوجدنا أن لا تعارض بين هذا وذاك ، ولو فُرِضَ أن حصل تعارض ما ، فإما أن يكون النص الشرعي غير صحيح ، أو أن المعلومة العلمية غير ثابتة .

ثالثاً : يجب التحري في معرفة صحة الحديث النبوي سنداً ومتناً ، والحديث الضعيف ليس بحجة لا في الأنساب ولا في غيرها ، فضلاً عن الضعيف جداً والموضوع . وكثير من الناس يغفل عن هذه الجزئية ، فيكون كحاطب ليل ، فيستدل بأحاديث لا زمام لها ولا خطام !.

رابعاً : لم ينل هذا الحديث حظه من الدراسة لا قديماً ولا حديثاً ، اللهم إلا شذرات هنا وهناك ، باعتبار أنه يتعلق بالأنساب ، وقد انصبت اهتمامات المحدثين العظماء - في الغالب - على العناية بالأحاديث التي ترتبط بالشريعة كأحاديث الأحكام والعقائد ونحوها .

نص الحديث :

عن فروة بن مسيك المرادي قال - في سياق قصة -: « ... فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا سَبَأٌ ، أَرْضٌ أَوْ امْرَأَةٌ ؟ قَالَ : لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ العَرَبِ ، فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ ، وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا : فَلَخْمٌ ، وَجُذَامُ ، وَغَسَّانُ ، وَعَامِلَةُ ، وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا : فَالأُزْدُ ، وَالأَشْعَرِيُّونَ ، وَحِمْيَرٌ ، وَمَذْحِجٌ ، وَأنْمَارٌ ، وَكِنْدَةُ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا أَنْمَارٌ ؟ قَالَ : الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ ، وَبَجِيلَةُ » .

الحكم على الحديث :

هذا الحديث ضعيف سنداً ومتناً ، وسينتظم كلامنا في هذين المسلكين :

 المسلك الأول : المسلك السندي :
وسنتناول ضعف الحديث من ناحية الإسناد من خلال ذِكْرِنا لطرقه المختلفة .

طُرُق الحديث :
هذا الحديث له عدة طرق عن فروة بن مسيك المرادي-رضي الله عنه -:

الطريق الأول : طريق أبي سبرة النخعي :
أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 34) ، (برقم : 3988) ، والترمذي في "سننه" (5/ 361) ، (برقم : 3222) ، وأحمد في "المسند" (39/527، 528) ، (برقم: 88) ، وفي "العلل ومعرفة الرجال - رواية ابنه عبد الله" (3/ 430) ، (برقم: 5830) و(رقم: 5831) ، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "مشيخته" (ص: 108) ، (برقم: 139) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/225، 226) ، (برقم: 713) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3/ 321) ، (برقم: 1699) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 324) ، (برقم: 836) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (8/ 454 ، 455) رقم (3379) ، وابن عبد البر في "الإنباه إلى قبائل الرواه" (ص: 101) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/260، 261) ، عن الحسن بن الحكم ، عن أبي سبرة النخعي ، عن فروة بن مسيك .

وهذا الإسناد ضعيف، فيه علتان :

● العلة الأولى : جهالة أبي سبرة عبد الله بن عابس النخعي :
 قال يحيى بن معين : (لا أعرفه)(1) .
وقال عنه ابن حجر : (مقبول)(2) ، يعني عند المتابعة ، وإلا فلين الحديث .

● العلة الثانية : ضعف أبي الحكم الحسن بن الحكم النخعي :
 قال ابن حبان : (يخطىء كثيراً ، ويهم شديداً ، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد)(3) .
 وأورده الذهبي في "ديوان الضعفاء"(4) .
 وقال عنه ابن حجر : (صدوق يخطىء)(5) .

الطريق الثاني: طريق البراء بن عبد الرحمن :
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 324) ، (برقم: 835) ، وفي مسند الشاميين (1/ 259) ، (برقم: 448) ، عن البراء بن عبد الرحمن ، عن فروة بن مسيك .
وهذا إسنادٌ ضعيف :
فيه : البراء بن عبد الرحمن ، وهو رجل مجهول الحال ، لم يذكره أحد من علماء الرجال بجرحٍ ولا تعديل .

الطريق الثالث : طريق يحيى بن هاني :
أخرجه أحمد  في "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (3/ 430) ، (برقم: 5829) ، والكلبي في "نسب معد واليمن الكبير" (1/ 132) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 323) ، (برقم: 834) ، وأبي نعيم في "معرفة الصحابة" (4/ 2287) ، (برقم: 5656) ، وفي "تاريخ أصبهان" (1/ 244) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/336، 337) ، وابن عبد البر في "القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم" (ص : 20) ، وفي "الإنباه إلى قبائل الرواه" (ص: 101، 102) ، عن أبي جناب الكلبي ، عن يحيى بن هاني .
وهذا الطريق فيه : يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي من أهل الكوفة .
 قال عنه يحيى بن معين : ( ليس بشيء)(6) .
 وقال ابن حبان : (كان ممن يدلس على الثقات ما سمع من الضعفاء ؛ فالتزق به المناكير التي يرويها عن المشاهير ، فوهاه يحيى بن سعيد القطان ، وحمل عليه أحمد بن حنبل حملاً شديداً)(7) .
 وقال الجورقاني : (متروك الحديث)(8) .

الطريق الرابع : طريق سعيد بن أبيض بن حَمَّال المأربي :
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3/ 322) ، (برقم: 1700) ، و(4/ 418) ، (برقم: 2469) ، والحاكم في "المستدرك" (2/ 460) ، (برقم: 3586) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 326) رقم (838) ، عن فرج بن سعيد ، عن عمه ثابت بن سعيد ، عن أبيه سعيد .

وهذا الإسناد ضعيف فيه علتان :

● العلة الأولى : جهالة ثابت بن سعيد بن أبيض بن حَمَّال المأربي .

● العلة الثانية : جهالة سعيد بن أبيض بن حَمَّال المأربي .
 قال الذهبي : (سعيد بن أبيض بن حمال: فيه جهالة)(9) .

 المسلك الثاني : المسلك المتني :

وهذا المسلك فيه وجهان :

 الوجه الأول : اضطراب المتن :
لقد اضطرب الرواة في متن هذا الحديث ، وهاك نقاط الاضطراب :

أولاً : أورد الحديث أبو داود في سننه ، ولم يذكر في روايته الأسماء العشرة .
فرواه عثمان بن أبي شيبة ، وهارون بن عبد الله ، عن الحسن بن الحكم النخعي ، عن أبي سبرة النخعي ، عن فروة بن مسيك بدون ذكر الأسماء !.

  ثانياً : جاء في رواية الترمذي المذكورة أعلاه : (لخم) ، وورد في بعض الروايات في طريق أبي سبرة النخعي : (عَك)(10) !.

  ثالثاً : جاء في طريق البراء بن عبد الرحمن (قضاعة) بدل (غسان) !!(11) .

 الوجه الثاني : نكارة المتن :
وتتضح نكارة المتن من خلال النقاط التالية :

أولاً : الحديث جعل أبناء سبأ عشرة :
والمعروف في كتب الأنساب أن (سبأ) له ابنان هما (حِمْيَر) ، و(كهلان) .
ومن هنا حاول بعض العلماء أن يجدوا حلاً لهذه المعضلة :
  قال ابن كثير: (ومعنى قوله  ﷺ : «وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ العَرَبِ» : أي كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن ، لا أنهم وُلِدُوا من صلبه ، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة ، والأقل والأكثر ، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب)(12) .
ولكن ظاهر الحديث صريح أنه ولد عشرة أبناء ، فالأصل أنهم من صلبه ، ولا يوجد صارف لهذا الأصل .

ثانياً :  جعل (حِمْيَر) أخاً للتسعة أبناء المذكورين :
و(حِمْيَر) أمة كبيرة من قحطان ، وهي بكل روايات الأنساب القديمة ليس أخاً لهؤلاء القوم . فكيف يستقيم أن يكون حِمْيَر أخاً لهؤلاء  ؟! .

  ثالثاً : الحديث لم يذكر اسم (كهلان) البتة في الأسماء :
طالما أن الحديث ذكر (حِمْيَر) فإن المتبادر إلى الذهن أن يذكر (كهلان) باعتباره أخاً لحمير حسب مشجرات الأنساب القديمة الواردة في كتب التاريخ ، ولكن نتفاجأ أن الحديث ذكر حمير ، وذكر إخوانه قبائل منتسبة لكهلان ، ولم يتعرض لكهلان البتة ! .

❍  رابعاً : لم يذكر الحديث (همدان) مع أنها من سبأ :
لم يذكر الحديث همدان مع أنها من قبائل سبأ الكبيرة والمعروفة ، ولم يتطرق الحديث لفروعها من حاشد وبكيل .

شواهد الحديث :

للحديث عدة شواهد :

 الشاهد الأول : حديث ابن عباس :

عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، قال : «إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ أَرْضٌ؟ فَقَالَ : هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ سِتَّةً مِنْ وَلَدِهِ بِالْيَمَنِ وَأَرْبَعَةٌ بِالشَّامِ ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ فَمَذْحِجٌ ، وَكِنْدَةُ ، وَالْأَزْدُ ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ ، وَأنْمَارُ ، وَحِمْيَرُ خَيْرٌ كُلُّهَا ، وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ فَلَخْمٌ ، وَجُذَامُ ، وَعَامِلَةُ ، وَغَسَّانُ» .
أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 75) رقم (2898) ، وفي "فضائل الصحابة" (2/ 865) رقم (1616) ، والحاكم في "المستدرك" (2/ 459) رقم (3585) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (8/453، 454) رقم (3378) ، وابن وهب في "الجامع" (ص: 57) رقم (21) ، وابن عبد البر في "القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم" (ص: 20) ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن علقمة (أو عبد الرحمن) بن وعلة ، عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما .

وهذا الحديث ضعيف ، فيه علتان :

  العلة الأولى : الحديث مداره على عبد الله بن لهيعة ، وهو ضعيف الحديث :
  قال ابن عدي : (وهذا لا أعلمه يرويه غير ابن لهيعة بهذا الإسناد)(13) .
وابن لهيعة هو : عبد الله بن لهيعة بن عقبة أبو عبد الرحمن الحضرمي . وهو رجل ضعيف الحديث ، كانت له كتب فاحترقت ؛ فحدث من حفظه فخلط ، فأصبح سيئ الحفظ .
وفي هذا الرجل كلام كثير حول توثيقه وتضعيفه ، وكثير من العلماء لم يفصلوا في حاله ، بل ردوا حديثه مطلقاً .
 قيل لعبد الرحمن بن مهدي : نحمل عن ابن لهيعة ؟ قال : (لا ، لا تحمل عنه قليلاً ولا كثيراً)(14) .
 وقال يحيى بن معين : (ابن لهيعة ليس بشيء ؛ تغير ، أو لم يتغير)(15) .
 وقال أبو زرعة وأبو حاتم : (أما ابن لهيعة فأمره مضطرب ، يُكْتَب حديثه على الاعتبار)(16) .

العلة الثانية : أن الإسناد فيه اختلاف واضطراب :

فقد اختلف في إسناد هذا الحديث على ثلاثة وجوه :

 - عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن علقمة بن وعلة السبئي ، عن ابن عباس ، عن النبي ﷺ .
وعلقمة هذا مجهول .

➋ - عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن عبد الرحمن بن وعلة السبئي ، عن ابن عباس ، عن النبي ﷺ .

➌ - عن عبد الله بن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن علقة بن وعلة السبئي عن النبي  ﷺ(17) .
وهذا فيه جهالة علقمة والإرسال.
فأنت تجد هذا الاضطراب الواضح في إسناد هذا الحديث ، وهذا كله يوضح لك ضعف الحديث .

 الشاهد الثاني : حديث يزيد بن حصين بن نمير :

عن يزيد بن حصين بن نمير أن رجلاً قال : يا رسول الله ، فذكر الحديث بنحوه .
أخرجه ابن شَبَّة في "تاريخ المدينة" (2/ 551) ، وابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (2/ 748) رقم (3165) ، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 245) ، (برقم: 639) ، وأبي نعيم في "معرفة الصحابة" (5/ 2797) رقم (6633) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (65/ 155) ، وابن عبد البر في "القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم" (ص: 20) ، من طريق موسى بن علي بن رباح اللخمي ، عن أبيه ، عن يزيد بن حصين بن نمير .

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ ، مليء بالعلل :

● العلة الأولى : الصواب في رواية حصين بن نمير أنها مرسلة .
جاء في رواية ابن أبي خيثمة عن يزيد بن حصين بن نمير ، عن تميم ، وفي رواية ابن عبد البر قال : (عن تميم الداري) ، والصواب رواية الإرسال .
 قال ابن عدي -عن يزيد بن حصين بن نمير : (لا أعرف له من المسند شيئاً)(18) .

● العلة الثانية : تميم لا يصح حديثه :
 قال أبو نعيم : (تميم غير منسوب ، روى عنه يزيد بن حصين في قصة سبأ ، وقيل إنه تميم الداري ، ولا يصح حديثه)(19) .

● العلة الثالثة : حصين بن نمير ضعيف :
 قال يحيى بن معين : (حصين بن نمير: ليس بشيء)(20) .

● العلة الرابعة : يزيد بن حصين بن نمير مجهول لا يعرف .
 قال ابن عدي : (يزيد بن حصين أيضاً ليس بمعروف)(21) .

✿  شبهات والجواب عنها :

الشبهة الأولى: القول بتصحيح الحديث بمجموع الطرق والشواهد :

قال بعضهم : صحيح إن هذه طرق الحديث كلها ضعيفة ، ولكنها تتقوى ببعضها ، ومعلوم في علم الحديث : أن الحديث يتقوى بمجموع الطرق والشواهد ، فإذا ضُمَّت هذه الطرق إلى بعضها ، وأضيف إليها شاهد حديث ابن عباس ازدادت قوة إلى قوة .
الجواب أن نقول : القاعدة الحديثية في حد ذاتها صحيحة ، ونحن نقول بها ، ولكن هذا في حالة سلامة المتن من النكارة والغرابة ، وأما مع وجود نكارة المتن ؛ فلا يمكن أن يُصَحَّح أو يُحَسَّن الحديث بمجموع الطرق ؛ لأنه في هذه الحالة لا تفيد كثرة الطرق شيئاً ، بل ستذهب أدراج الرياح !.

الشبهة الثانية : تصحيح عدد من العلماء للحديث :

قال بعضهم : هذا الحديث صححه وحسنه عدد من علماء الحديث ، وهاك أقوالهم :
 قال الترمذي عن حديث فروة : (هذا حديثٌ حسنٌ غريب) .
 وقال الحاكم عن حديث ابن عباس : (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وشاهده حديث فروة بن مسيك المرادي) ، وأقره الذهبي .
 وقال ابن كثير : (وهذا إسناد حسن)(22) .
 وقال أحمد شاكر عن حديث ابن عباس : (إسناده صحيح)(23) .
 وقال الألباني : (حسن صحيح) .

والجواب على ذلك يكون من وجوه :

● الوجه الأول : أن العلماء الذين صَحَّحُوا الحديث أو حَسَّنُوه قَوَّوْهُ بمجموع الطرق والشواهد ، ولم يصححوه أو يحسنوه لذاته ، إذ أن طرقه كلها ضعيفة ، لا يثبت منها طريق واحد من ضعفٍ . والتحسين بمجموع الطرق أقل درجات القوة في الحديث ، وهي مسألة تتجاذبها الأقوال ، ولا تسلم من طعن أو اعتراض في كثير من الأحيان ، لأنها كما ذكرنا مبنية على انجبار الطرق وتقويتها بعضها ببعض .

● الوجه الثاني : أن هؤلاء العلماء الذين حسنوا الحديث إعمالاً لقاعدة تحسين الحديث بمجموع الطرق والشواهد ، لم يتنبهوا لنكارة المتن ، ولم يتفطنوا للإشكالات الواردة فيه ، ولو تنبهوا لذلك لما حَسَّنُوه ، ولذلك حينما فطن الإمام ابن العربي المالكي لعلل المتن حكم بضعفه سنداً ومتناً .

● الوجه الثالث : أن الحجة ليست في كثرة المصححين للحديث ، وإنما في الأدلة العلمية الحديثية التي يستند عليها الحاكمون على الحديث ، والتي توجب صحته أو حسنه أو ضعفه .

● الوجه الرابع : نتكلم عن كل حكم بمفرده :
 إن قول الترمذي : (حسن غريب) ؛ هي درجة أقل من قوله : (حديث حسن) ؛ ففي قوله هذا إشارة إلى غرابة متن الحديث وإسناده ، وإن تبنى تحسينه بمجموع طرقه !.
 وأما الحاكم : فمعروف بتساهله في التصحيح في ”المستدرك“ ، والذهبي وقعت له أوهام كثيرة في ”تلخيصه على المستدرك“ نبه عليها العلماء من بعده .
 وبالنسبة للقاضي أحمد شاكر : فإنه يصحح أحاديث ابن لهيعة مطلقاً من غير تفصيل ، وهذا من تساهله الذي تكلم عنه العلماء كثيراً أمثال المحدث الألباني والحويني وغيرهما .
 وأما الألباني : فقد بنى حكمه على قاعدة التقوية بالطرق والشواهد ، وقد بَيَّنَّا أن الحديث لا يمكن تصحيحه بالطرق والشواهد لوجود النكارة المتنية !.

 الوجه الخامس : أن عدداً من الحفاظ والمحدثين ضعفوا الحديث :
هذا الحديث ضَعَّفَهُ جماعة من علماء الحديث وأساطين الجرح والتعديل ، وهم من هم في العلم والتحقيق ، فإن لم يكونوا أعلم ممن صححوه فليسوا بأقل منهم. فإذا احتج المخالفون بكلام العلماء الذين صححوا الحديث ، فنحن نحتج بكلام العلماء الذين ضعفوه. وعليه فلا يكون كلام المخالفين حجة دون قولنا .
وهؤلاء هم العلماء الذين ضعفوا الحديث :

أولاً : الإمام ابن حبَّان ( ت : 354هـ ) :
حيث ذكر راوي الحديث ( يحيى بن أبي حية ، أبو جناب، الكلبي ) في "كتاب المجروحين" فضَعَّفَهُ ، وأورد له هذا الحديث كمثال على رواياته الضعيفة(24) .

ثانياً : المحدث ابن القيسراني ( ت : 507هـ ) :
فقد أورد الحديث طرف حديث أبناء سبأ في "تذكرة الحفاظ" ، وقال : (رواه يحيى بن أبي حية ، عن يحيى ، عن هانئ ، عن فروة بن مسيك .
قال: ويحيى هذا ليس بشيء في الحديث)(25) .

ثالثاً : القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي (ت: 543هـ) :
فقد حكم بضعف الحديث سنداً ومتناً، فقال: (فيه اختلاف عظيم ، لم يتحصل سنداً ؛ لعدم الثقة برواية ، ولا تحصل متناً)(26) .

رابعاً : الحافظ نور الدين الهيثمي (ت: 807هـ) .
فقد ضَعَّف حديث ابن عباس بقوله : (رواه أحمد والطبراني ، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف ، وبقية رجالهما ثقات (27) .
وضَعَّف كذلك رواية يزيد بن حصين السلمي بقوله : (رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني علي بن الحسن بن صالح الصائغ ، ولم أعرفه)(28) .

خامساً : المحدث أبو العباس البوصيري (ت: 840هـ) :
حيث تناول حديث ابن عباس وأسانيده، وقال فيه : (ومدار هذه الأسانيد على عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف)(29) .

 الخلاصة : 


أن (حديث أبناء سبأ العشرة) ضعيف سنداً ومتناً ، وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في الأنساب ، ولا في نتائج الحمض النووي الحديثة .
 وختاماً أقول : هذا ما عندي حول الحكم على حديث أبناء سبأ ، اجتهدتُ فيه قدر الطاقة ؛ فإن أصبت فمن الله تعالى ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان ، وأرحب بالتعليق والتعقيب العلمي ، وصدري مفتوح للحوار والنقاش في هذا الموضوع بشرط أن يكون الناقد يتكلم بعلم ومعرفة ، لا بجهل وتقليد .
 وقد كنت متردداً بين التطويل والتقصير في الدراسة ، وما زلت أتأرجح بينهما؛ فالمهتمون بالدراسات الحديثية يحبون الإسهاب في ذلك ، وغيرهم من المهتمين بالتاريخ والأنساب يحبون الاقتضاب ؛ لأن غايتهم الخلاصة فقط ؛ فحاولت أن أتوسط في ذلك ، فلا أطيل ولا أقصر ؛ فإن وجد بعض القراء في كلامي طولاً فليعذرني ، وإن وجد البعض الآخر قصراً فليعذرني هو الآخر .
 وأنبه إلى أنني لم أتوسع كثيراً في ذكر الأقوال عن الرواة جرحاً وتعديلاً ، وذكرت ما يهم في الحكم عليهم ، فعلتُ ذلك خشية الإطالة والإملال ؛ خصوصاً لغير الباحثين في العلوم الشرعية .
 كما أني استبعدت إدخال نتائج الحمض النووي في الحكم المتني على الحديث ؛ لأني ، وإن كنت على يقين مما أراه في النتائج الجينية ؛ فإن هذا العلم ما زال حديثاً وفي مهده ونتائجه متجددة، وكذلك لا أريد أن يقال : حكم على حديث رسول الله ﷺ بنتائج الحمض النووي !.


هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.


الهوامش :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
(1) رواه ابن أبي حاتم في ”الجرح والتعديل“ (9/ 384)، وانظر: “تهذيب الكمال“ (33/ 340).
(2) ”تقريب التهذيب“ (ص: 643).
(3) ”المجروحين“ (1/ 233).
(4) ”ديوان الضعفاء“ (ص: 79).
(5) ”تقريب التهذيب“ (ص: 160).
(6) ”المجروحين“ (3/ 111).
(7) ”المجروحين“ (3/ 111).
(8) ”الأباطيل والمناكير“ (1/ 524).
(9) ”ميزان الاعتدال“ (2/ 126).
(10) هذه رواية أحمد في ”المسند“ (39/ 528) رقم (87).
(11) هذه رواية الطبراني في ”مسند الشاميين“ (1/ 259) رقم (448).
(12) ”تفسير ابن كثير“ (6/ 447).
(13) ”الكامل في ضعفاء الرجال“ (5/ 251).
(14) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 146).
(15) "من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال" (ص: 108).
(16) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 147).
(17) ”المعجم الكبير“ للطبراني (12/ 240) رقم (12992).
(18) "الكامل في ضعفاء الرجال" (9/ 170).
(19) "معرفة الصحابة" (1/ 458).
(20) "تاريخ ابن معين - رواية الدوري" (4/ 57).
(21) "الكامل في ضعفاء الرجال" (9/ 170).
(22) ”تفسير ابن كثير“ (6/ 445).
(23) ”مسند أحمد“ بتحقيق أحمد شاكر (3/ 278).
(24) المجروحين (3/111، 112)
(25) تذكرة الحفاظ (ص: 66).
(26) عارضة الأحوذي (12/ 101).
(27) مجمع الزوائد (7/ 94).
(28) مجمع الزوائد (7/ 94).
(29) إتحاف الخيرة المهرة (1/ 262).



انتهى ..


أبو سهل طَـه الطَّيب الزَّيَّـاتي



2020-03-18

الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السلبي على رواية التاريخ والأنساب العربية : ( حديث أربعة من العرب ، أي الأنبياء) مثالاً :

بسم الله الرحمن الرحيم

لم تقتصر الآثار السلبية للأحاديث الضعيفة والموضوعة على عقيدة المسلمين وعباداتهم بل وصل أثرها السلبي إلى أصغر ابواب العلوم والفنون شأنًا كرواية التاريخ القديم وكتابته ، ومن المؤسف أن هذه الأحاديث كانت تمثل المصدر الأول لكثير من الاخباريين الذين لا يميزون بين الحديث الصحيح والضعيف ، فأنتج تداخلها مع رواية التاريخ الحقيقي روايةً تاريخيةً كسيحة لا تستطيع مقاومة نظرة تدبريَّةٍ ناقدةٍ في كتاب واحد من كتب التاريخ والأنساب والأمثلة على ذلك كثيرة يراها كلُّ فَطِن ، ولا شك أن الأخذ بالحديث النبوي الشريف وجعله المصدر الأول لرواية التاريخ هو أمر محمود ولكن بشرط أن يكون المؤرخ على علم كافٍ بدرجة الحديث الذي يستشهد به ويجعله مصدرا لمعلومته بالرجوع إلى ما كتبه أهل الحديث عن سند ومتن الحديث ثم يضع ما وجده من كلامهم في الهامش لكي لا يلبِّس على القراء ، ولكن في الحقيقة أن بعض المؤرخين كان كحاطب ليل يجمع كل ما وقعت يده عليه دون علم بحقيقته ، فرأينا في كتب الأنساب والتاريخ أحداثا متضاربة ، وأسماء مبتكرة ،  ومشجرات أنسابٍ  وهمية طرأت على الأنساب العربية بعد صدر الإسلام ، ولم تكن موجودة قبله ، وكل هذا حدث بسبب الأخذ بأحاديث ضعيفة وموضوعة يسَّرت الطريق لأصحاب الأهواء والمتعصبين أن ينسجوا قصصًا من خيالاتهم تتكأ على تلك الأحاديث ، أو الاعتماد على الاسرائيليات والاستنتاجات المبنية على ما سبق .
وفي هذا الموضوع سنأخذ حديثا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ونرى مدى أثره على كتابة تاريخ وأنساب العرب :
حديث أبو ذر رضي الله عنه وهو حديث طويل عن عدد الأنبياء والرسل وبعض أوصافهم عليهم السلام .. وفي جزء من الحديث ورد : (( يا أبا ذر أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، وأخنوخ . وهو ادريس ، وهو أول من خط بالقلم ، ونوح . وأربعة من العرب "أي الأنبياء" : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك يا أبا ذر )) ، وهذا ⇩ جزء من حديث أبي ذر رضي الله عنه :

             


رواه ابن حبان 2 / 76 حديث رقم : 361 وقال  شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف جدا ، ابراهيم بن هشام بن يحيى الغساني الدمشقي ، قال أبو حاتم : كذاب ، كما في ( الجرح والتعديل ) 2 / 142 ، 143 ، وقال الذهبي : متروك ، وكذَّبه أبو زُرعة ، كما في ( ميزان الاعتدال ) 1 / 73 و 4 / 378 ، وأخرجه بطوله أبو نعيم في ( الحلية ) 1 / 166 ــ 168 وفي إسناده ابراهيم بن هشام ، بهذا الإسناد 
ــ وقال ابن كثير بعد أن أورد هذا الحديث في ( البداية والنهاية ) 2 / 545 دار المؤيد : أورد هذا الحديث أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات ، وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر فقال : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قلت : يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال ( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا ) ، وهذا أيضا من هذا الوجه ضعيف ، فيه ثلاثة من الضعفاء معان وشيخه وشيخ شيخه .
ـ وقد وردت أجزاء من الحديث بعدة أوجه وليس فيها "أربعة من العرب" وهذا الجزء في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز عن حديث أبي ذر وأبي أمامة رضي الله عنهما في ( مجموع الفتاوى ) 2 / 66 ⇩ : 


وقال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة ( 205 / 13 ) مكتبة المعارف تحقيق الحديث رقم : 6090 
رُوي في حديث أبي ذر الطويل : أن عدد الأنبياء مائة ألف وعشرون ألفا !
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " بطوله ( رقم 94 ) وفيه ابراهيم بن هشام الغساني وهو متروك ، متهم بالكذب ، وعزاه الحافظ (6/361) ل " صحيحه " وسكت !
ورُوي بإسنادٍ آخر ضعيف من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ : " وأربعة وعشرون ألفا ، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر ، جما غفيرا " أخرجه أحمد ( 5/265 ــ 266 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 7871/258/8 )وفيه علي بن يزيد الألهاني ، ضعيف ، انتهى .

ــ خلاصة حكم حديث أبي ذر رضي الله عنه : ضعيف جدا وقال ابن الجوزي موضوع

ــ ومن أراد الاطلاع على تخريج وتحقيق الحديث مطولا يجده في السلسلة الضعيفة 205/13 : 6090 ، وصحيح ابن حبان تحقيق شعيب الأرنؤوط جزء 2 صفحة 79 ــ 81 
وتحقيق بدر بن عبدالله البدر على كتاب الأربعين حديثا للآجري 195 ــ 201

ــ تأملات في متن الحديث الموضوع من الناحية التاريخية .

ــ قال تعالى ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ، وقال تعالى ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون ) ولكن الحديث الموضوع جعل النبي صل الله عليه وسلم يُعرِّف أحد الأنبياء باسمٍ من التوراة "العهد القديم" في قوله وأخنوخ ثم يبينه باسمه في القرآن الكريم كأسمٍ رديف بقوله وهو ادريس وأعادها مرة أخرى باسم أخنوخ بدون الاسم الوارد في القرآن الكريم ،
ــ المتمعن في هذا الجزء الموضوع من الحديث " أربعة من العرب " لا شك سيحتار ، فإن قصد أن العربية لسانا فلماذا لم يضع اسم اسماعيل عليه السلام وقد ثبت أنه تكلم العربية من طفولته ؟  وإن أراد أن العربية عرقا فلماذا يذكر محمدا صل الله عليه وسلم ويهمل اسماء أجداده اسماعيل وابراهيم عليهما السلام ثم يذهب إلى من هو أبعد منهما زمنيا " هود ، وصالح " عليهما السلام ؟!!!
وكذلك جاء في كتب الأنساب أن النبي شعيب عليه السلام من نسل ابراهيم عليه السلام فهل أُنزلت العربية على شعيب ؟ 
لا يوجد أي دليل على هذا القول .

*** ــ ((بعض الآثار السلبية التي خلَّفها هذا "الجزء الموضوع" من حديث أبي ذر رضي الله عنه على كتابة تاريخ العرب وأنسابهم))

1 ــ تم اختلاق مسمى "العرب" البائدة بناءا على هذا الحديث ، فهود وصالح عليهما السلام هما رسولا ربهما إلى قومهما عادٌ وثمود ، وبعد المعصية وتكذيب الرسل أهلك الله تلك الأمم وأبادها ، قال تعالى عن قوم عاد :
( فهل ترى لهم من باقية )
جاء في تفسير ابن كثير : ( أي : هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أنه ممن ينتسب إليهم ؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفا ) انتهى .. فهاتان الأمتان هما من الأمم البائدة وليس "العرب" البائدة إذ لا يوجد دليل على عربيتهم المزعومة ، ورغم ترديد هذا القول في كتب الأنساب والتاريخ العربي إلا أنه لا دليل عليه من "نص مقدس أو نقش على حجر" ، فهود عليه السلام على زعمهم فإنه في الطبقة "الرابعة إلى السادسة" من أحفاد سام بن نوح الذي انتشرت من ذريته ثلث البشرية حسب ما جاء في التوراة .

2 ــ جعل القحطانيون لهم جدًّا من الأنبياء بسبب المنافسة مع القبائل الاسماعيلية فاتخذوا هودا عليه السلام جدا لهم مقابل اسماعيل عليه السلام جدّ العرب الاسماعيليين إذ أن الحديث الموضوع مقرونًا بنصٍ توراتي قد جهَّز لهم جدًّا نبيًّا ، وأيضا هو أقدم من اسماعيل عليه السلام ، وفوق هذا كله كان جدهم عربي بينما اسماعيل لم يُذكر اسمه في الحديث فأصبح اسماعيل وذريته مستعربين ولكن تم استثناء الرسول محمدًا صلَّ الله عليه وسلم من هذا الوصف لوجود اسمه في الحديث .
وإذ لم يجدوا اسم هود عليه السلام في أسلاف يقطن "قحطان" ، قالوا ان عابر بن شالخ بن ارفخشذ والد يقطن هو هود عليه السلام !!! 
قال ابن الوزير المغربي 370 ــ 418 هــ في كتاب الايناس في علم الأنساب صفحة 276 : قال وهب بن منبه ⇩ :


هكذا جعلوا نصف العرب من ذرية النبي هود عليه السلام بدون دليل !! فقط لأنه نبيٌّ عربي بناءا على الحديث الموضوع ، وقال جواد علي في المفصل ( 313/1 ) معلقا على هذا الادعاء ⇩ :


وقال ابن حزم في كتاب الجمهرة الصفحة 9 : ينفي هذا الادعاء ⇩ :



ونفى أهل الكتاب من بني اسرائيل أي وجود لاسم هود وصالح عليهما السلام في التوراة كما نقل هذا القول جواد علي في المفصل (299/1) منقولا عن ابن جرير الطبري ⇩ :



فإذا علمنا أن اليهود ينكرون وجود اسم هود في التوراة فكيف جعلوا عابرا هو هود عليه السلام ؟
ــ في الحقيقة فإن جعل عابر هو هود عليه السلام ليس إلا محاولة لجعل والد يقطن "قحطان" نبياًّ ، والذي ألزمهم بعابر ليجعلوه هود النبي من بين الأسماء الواردة في التوراة هو مشابهة اسم ابنه يقطن "لقحطان" .

3 ــ من أجل الاستحواذ على اسم هود النبي "العربي" وجعله في رأس مشجرة الأنساب القحطانية استدل بعض الاخباريين بآثار وأخبار وقصائد منحولة على بعض الصحابة ، وبأحاديث ضعيفة وموضوعة  كما يلي :

أ ــ جاء في كتاب الاكليل للهمداني ج1 ص120   ⇩ :


نلاحظ أن الهمداني يستشهد على بقاء ذرية من آمنوا من قوم عاد وثمود بحديث رواه ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج1(47 ــ 52) والحديث موضوع ، في سنده خلف بن واصل وهو متهم بالوضع ، وأبو نعيم الخراساني وهو عمر بن صبح كذاب يضع الحديث .
قال ابن حجر في لسان الميزان 772/2 : خلف بن واصل عن ابي نعيم وهو عمر بن صبح بحديث جابلق ،وجابرس ، وعظمهما ، لعله هو وضعه .
وقال ابن حبان: يضع الحديث عن الثقات، لا يحلُّ كَتْبُ حديثه، إلا على وجه التعجب.
وقال الدارقطني : متروك.

ب ــ جاء في الاكليل للهمداني ج 1/123 ما يلي ⇩ :                                                                                               


كما نرى فإن الهمداني قد أورد قصيدة لا شك أنها منحولة على الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه جاء فيها ذكر بعض الأنبياء الذين وردت أسماؤهم في القرآن الكريم ثم ختم القصيدة بقوله : ( كلهم يمانون قد فازوا بطيب السرائر ) وهنا لم تقتصر دعوى اليمانية على ثلاثة من الأربعة بل ذهبت الدعوى إلى أبعد من ذلك فأُدخل فيها ادريس وذو القرنين ويونس وإلياس وذو الكفل إلى جانب الثلاثة هود وصالح وشعيب عليهم السلام جميعا في القحطانية !!.

وعلق جواد علي في كتاب المفصل ج1 على القصيدة المنسوبة إلى حسان بن ثابت وقال ⇩ : 




ج ــ ورد في كتاب التيجان المنسوب إلى وهب بن منبه 42 ــ 43 ⇩ : قصيدة بالفصحى ضمن الخرافات والأساطير التي امتلأ بها كتاب التيجان منسوبة إلى "يعرب" فيها أن النبي هود عليه السلام هو أبوهم :


وذكر وهب بن منبه كيف أُنزلت العربية على النبي هود عليه السلام فقال : ان الله أنزل على هود صحيفة وفيها ما بقي على أبيه "شالخ" من العربية وأنزل عليه ( أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ع غ ف ق س ش هـ و ل ي ) ...... الخ .
وهذا الادعاء لم يضع وهب بن منبه دليله عليه من القرآن أو السنة النبوية الشريفة !! أو من الكتب السابقة .. " هكذا "!! .

د ــ  جاء في كتاب التيجان المنسوب إلى وهب بن منبه قصة عن عابر ولم يذكر فيها اسم النبي هود عليه السلام على أن عابر هو هود وكأنها قد أصبحت من المسلمات ⇩ !!!


ونلاحظ ما تحتويه هذه الرواية من محاكاة تامة لما حدث للرسول محمد صل الله عليه وسلم من شقَّ الصدر ثم استخراج القلب وغسله وارجاعه ، ثم داخلته الوحشة والهيام فتوارى عن أهله ، ثم جاء الملك ثانية واخذ منه الصحيفة ثم قال الملك "اقرأ" يا عابر ، طبعًا هذه المحاكاة لا شك أنها بسبب المنافسة مع العدنانيين ، فكما أن لهم أنبياء فكذلك نحن لنا أنبياء وتَحْدُثُ لهم نفس الأحدَاث !! 

هـ ــ كما أن الهمداني في كتاب الاكليل ج127/1 ⇩ : ادعى على استحياء أنه لا يستبعد أن يقطن "قحطان" كان نبيًا !! ، والمؤسف هنا أن "القاضي" محمد الأكوع محقق الاكليل وقف صامتا أمام هذا الادعاء ولم يعلق عليه بكلمة واحدة ومرَّت عليه مرور الكرام !! واتوقع أن ما قصده الهمداني هو أن ابن النبي سيصبح نبيا كما سرت العادة في أنبياء بني اسرائيل وبهذا اصبح قحطان بن هود نبيا وخليفة لوالده النبي ، ولكن ادعاء النبوة لشخصٍ ما بدون دليل هو كذب على الله تعالى .. ⇩ هنا ادعاء الهمداني انه لا يستبعد ان قحطان كان نبياً ⇩


و ــ من كتاب (اليمن في تاريخ ابن خلدون ) للمؤلف محمد الفرح الصفحة 15 ⇩ :


 نلاحظ أن المؤلف محمد حسين الفرح في كتابه قد نقل من البداية والنهاية لابن كثير حديث أبي ذر رضي الله عنه مستشهدا به على عربية النبي هود عليه السلام وأنه كان يمنيا ، وقسَّم ابن كثير العرب إلى بائدة ، وعاربة ، ومستعربة ، وذكر بنو اسماعيل من المستعربة ، كما ورد في البداية والنهاية 86/1 وهذا دليل واضح على تأثير الحديث الموضوع على رواية وكتابة التاريخ والأنساب حتى وقتنا الحاضر ، ولكن الكاتب لم يتنبه إلى كلام ابن كثير في نفس الكتاب 271/2 ⇩ عن حديث أبي ذر رضي الله عنه فقد نقل ابن كثير تضعيف أهل الحديث لسند الحديث ونقل أيضا قول ابو الفرج بن الجوزي أن الحديث موضوع ⇩ :



ز ــ من كتاب منتخبات من تاريخ اليمن الصفحة 56 لنشوان الحميري :




نشوان الحميري يدَّعي بشكل صريح أن النبي شعيب عليه السلام من حمير ودليله وبرهانه على هذا الادعاء هو : أن في اليمن مسجدا اسمه مسجد شعيب في جبل حضور !! هل يقصد أن الذي بنى المسجد هو النبي شعيب ؟؟؟ 
وأيضا يوجد موضع قريب من صنعاء اسمه شعوب !!!
وأيضا حي من اليمن من حمير اسمه شعبان !!! عجيب !!! .
وقد سبقه الهمداني إلى هذا الادعاء في كتاب الاكليل ( 2/ 294 ــ 295 ) فذكر نسب النبي شعيب عليه السلام فقال : ابن مهدم بن ذي مقدم بن حضور بن عدي بن مالك .... ثم أخذ بيده حتى أوصله إلى ذي فائش ذو قينان بن إلى شرح بن يحضب ، ولم يدعه في منتصف الطريق كما فعل نشوان !!!
* لا شك أن هذا الادعاء لم يكن موجودا لو لم يرد اسم النبي شعيب عليه السلام ضمن الأنبياء الأربعة العرب في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، والحديث موضوع كما تبين سابقا .

في الحقيقة فإن التخبطات والأوهام والتخرصات كثيرة جدا في كتب التاريخ والأنساب وبالذات كتب بعض الاخباريين اليمنيين ، والكتب التي نُسِبَت إلى المتقدمين أمثال وهب بن منبه وعبيد بن شرية والأصمعي ودعبل وغيرهم ممن نُسِب اليهم كُتُباً أو دُسَّ في كُتبهم ما يدعِّم فكرة الأنساب اليمنية ، ومشجرتهم القحطانية المركبة عَمْدًا . 
فلو أخذنا على سبيل المثال : نسب النبي هود في تلك الكتب آنفة الذكر وغيرها ، فإننا نجد أكثرها تتأرجح في نسبه بين إرم بن سام وأرفخشذ بن سام كما قال جواد علي في المفصل ( 310/1 ) :



ورغم أنها مجرد أقوال لا تستند إلى دليل يثبت صحتها إلا ما كان في التوراة من عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وجعل عابر هو النبي هود ، فإن هذا الادعاء ليس إلا وهماً وتخرصاً محضاً ، فلو أخذنا به لوضعنا أنفسنا أمام عقبة كأداء إذ أن سام قد عاصر الطوفان مع والده نوح عليه السلام ، فمتى تكونت (عادُ إرم ذات العماد ) الذين منهم عابر الحفيد الثاني لسام ، "هود" كما يزعمون ؟؟؟ وهل جدُّ عابر "أرفخشذ بن سام" من قوم عاد ؟ وهل سام الجد الثاني لهود من عاد ؟؟؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات . مع العلم أن بعض كتب الأنساب أرجعت هود عليه السلام في عبدالله بن رباح بن الخلود إلى إرم بن سام ، وفي هذه الحالة فإن فكرة جعل النبي هود أبٌ ليقطن "قحطان" ساقطةٌ ، لأن إرم أخٌ لأرفخشذ وفي هذه الحالة فإن هود من سلالة إرم ، ويقطن من سلالة أرفخشذ ، ولا يلتقيان إلا في سام بن نوح .
وهنا ⇩ مشجرة من كتاب "قصص الأنبياء" لأبناء سام يتبين منها موقع الأنبياء هود وصالح وشعيب عليهم والسلام ، حسب ما ورد في التوراة وأقوال أكثر الاخباريين العرب  ⇩ :

هل كانت اللغة العربية تقفز من أمة إلى أخرى دون المرور بأسلافهم بناءا على الحديث الموضوع ؟!!!



الخلاصـــة

1 ــ حديث أبو ذر رضي الله عنه الذي فيه : ( اربعة من العرب : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيك يا أبا ذر ) : حديث ضعيف جداً وقال ابو الفرج بن الجوزي موضوع ، فلا يصح الاستشهاد به .

2 ــ لا يوجد حديث صحيح فيما اعلم يثبت أن النبي هود عليه السلام وقومه عاد كانوا يتحدثون العربية .

3 ــ الادعاء أن للنبي هود عليه السلام وقومه عاد ذرية باقية حتى يومنا هذا لا يوجد عليه دليل بل هو من قبيل الرد على السؤال التعجيزي في القرآن الكريم في قوله تعالى ( فهل ترى لهم من باقية ) .

4 ــ أول من نطق بالعربية هو النبي اسماعيل عليه السلام عندما أمر الله تعالى رسوله ابراهيم عليه السلام أن يعزل ابنه اسماعيل وأمه هاجر في أرض مكة المكرمة ، ومن الحِكَمِ التي تُلمَحُ في هذا العزل ولله الحكمة البالغة ، أن في علم الله سبحانه وتعالى ما سيحدثه بنو اسرائيل من المكر والعصيان وقتل الأنبياء من بني جلدتهم ، ثم الاشراك بالله ، وعند هذا سيستبدلهم الله بقوم آخرين من ذرية ابراهيم ، قال تعالى ( وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) أي في ذرية ابراهيم عليه السلام ، وتبدأ النبوة في ذرية اسحاق عليه السلام حتى اذا وقع منهم العصيان والكفر استبدلهم الله بقوم من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ، ولو بقي اسماعيل مع أخيه اسحق فإن ذريتهما ستنشأ بنفس النشأة ويتطبع بنو اسماعيل بطباع ذرية اسحق من المكر والعصيان والشرك بالله إلا من آمن منهم ، وهنا لن تكون عملية الاستبدال مجدية ، فعَزَلَ الله ذريَّة اسماعيل ، ولن يكون العَزْلُ البدني كذلك مجديًا إن لم تكن لهم لغة مختلفةً عن لغة ذرية اسحق لأنهم سيلتقون بهم يوما ما قبل تكليف بني اسماعيل بالرسالة الخاتمة ، فإذا كانت اللغة واحدة وقرابة الدَّم معلومة للطرفين فلن يكون العَزْل ذا فائدة ، ولهذا فتق الله على لسان اسماعيل لغةً جديدةً لم تُنْطَق أو تُكْتَب من قبل ، وغير معلومة لذريةِ اسحاق ، ولقَّنها اسماعيل بَنِيه ، وكذلك فإن العزل كان في ارضٍ مُجْدِبَة لا زرع فيها وسيقام فيها بيت الله الحرام ، بعيدةً عن أيِّ حضارة لتبقى ذرية اسماعيل أمَّةً أميَّة ، جُلُّ اهتمامها في قِيَم الشهامة والفروسية والشعر ، وليس في تأليف الكتب كما اليونانية والعبرية وغيرها ، حتى جاء الإسلام فبدأ بكلمة اقرأ، {{ أما الحروف العربية فهي مشتقة من النبطية السريانية في فترة متأخرة / ب م ، والشبه بينهما كبير جدا وهناك بحوث قيمة عن هذا ولست بصددها هنا }} ، واعود إلى موضوعي فأقول : قال عليه الصلاة والسلام : ( إنَّا أمَّة أميَّة لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا ) فلا يستطيع بنو اسماعيل قراءة كتب بني اسحاق وغيرها إلا ما كان من النزر اليسير الذي لا يؤثر على الأمة ، وبهذا تتهيأ تلك الأمة للتكليف بالرسالة الخاتمة .. والله أعلم ، جاء في صحيح الجامع الصغير للألباني الصفحة 504 الحديث 2581 :



5 ــ الأحاديث الضعيفة والموضوعة كانت سببًا رئيسًا للخرافات والأساطير التي ملأت كتب التاريخ والأنساب العربية إلى جانب طموح بعض الاخباريين المنتسبين إلى "قحطان" لبناء مشجرة أنساب تضاهي مشجرة بني اسماعيل في عدة آبائهم ، ولذلك فإنهم قفزوا قفزات صاروخية حتى وصلوا إلى أحفاد سام بن نوح عليه السلام ، مستعينين بالضعيف والموضوع والاسرائيليات والاستنتاجات الغير موفقة ، قال جواد علي في المفصل ( 502/1 ) :





انتهى .. 




الكمال لله .. والله أعلم

الإعلان بالنبأ في ضعف حديث أبناء سبأ

بِســمِ اللهِ الرَّحمَــن الرَّحِيــم بعد ظهور نتائج الحمض النووي ، نشأ صراع عربي كبير حول النتائج الجينية ، فظهرت على السطح ظاهرة...